فصل: فصل في ذكر أحكام الخلع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل في ذكر أحكام الخلع:

وهو الطلاق بعوض ولو من غير الزوجة أو بلفظ الخلع على ما مر بيانه، وهذا العوض لا يحتاج إلى حيازة.
والخَلْعُ سَائِغٌ والافْتِدَاءُ ** فَالافْتِدَاءُ بالَّذِي تَشَاءُ

(والخلع) مبتدأ (سائغ) خبره (والافتداء) مبتدأ حذف خبره لدلالة ما قبله عليه فالافتداء مبتدأ والفاء جواب سؤال مقدر أي إن أردت معرفته (فالافتداء بالذي تشاء) خبره أي بالذي تشاؤه من مالها.
والْخَلْعُ بِاللاَّزِمِ فِي الصَّدَاقِ ** أَوْ حَمْلٍ أَوْ عِدَّةٍ أَوْ إنْفَاقِ

(والخلع) مبتدأ (باللازم) خبره (في الصداق) يتعلق به أي باللازم له في صداقها من كالئ أو حال أو هما فتسقطه عنه ويطلقها (أو حمل) معطوف على الصداق أي اللازم له في حمل إن كان وهو نفقتها الواجبة لها عليه (أو عدة) معطوف أيضاً على اللازم في عدة وهو كراء المسكن وعنه يعبر الموثق بقوله: وبخراج عدتها منه (أو إنفاق) على ولدها منه بأن يخالعها على أن عليها أجرة رضاعه قبل الحولين أو على أن عليها نفقة مدة زائدة على مدة الرضاع أو على إسقاط حضانتها على الولد أو على إنفاقها على بنين له من غيرها أو على زيد مثلاً كما يأتي ابن عرفة، وفيها ما الخلع وما المباراة وما الفدية قال مالك: المباراة التي تباري زوجها قبل البناء وتقول: خذ الذي لك وتاركني والمختلعة التي تختلع من كل الذي لها والمفتدية التي تعطي بعض الذي لها وكلها سواء، ثم قال أبو عمران: الخلع والصلح والفدية سواء وهي أسماء مختلفة لمعان متفقة. اهـ. وحذف الناظم المباراة مع أنها في المدونة مع الخلع والفدية في نسق واحد كما ترى.
تنبيهات:
الأول: إذا خالعها على رضاع الولد في الحولين ففي منعها من التزوج أقوال. ثالثها إن كان بشرط، ورابعها إن كان يضر بالصبي لابن رشد من قولها ذلك في الظئر المستأجر وسماع القرينين وابن نافع مع رواية محمد وسماع عيسى قاله ابن عرفة. وتصديره بالمنع يقتضي أنه الراجح وهو ظاهر البساطي في باب الإجارة في استئجار الظئر قال: وإذا خالعت المرأة زوجها على أن ترضع له الولد حولين فليس لها أن تتزوج فيهما.
قلت: المنع إنما هو لأجل الوطء فإذا أمن من الزوج الوطء فلا أدري يمنع لماذا. اهـ. بنقل بعضهم. واقتصر عليه في الطرر أيضاً فقال ما نصه: إذا صالحت الأم على رضاع ولدها الصغير ففي الجعل والإجارة منها أنها ممنوعة من التزويج حتى تتم مدة الرضاع قاله ابن رشد في كتاب التمليك من شرح العتبية اه ونحوه للتتائي في كبيره، والبرزلي في نوازله قائلاً هو جار على ما في الرضاع يريد من المدونة، وذكر ابن ناجي أن شيخه أفتى به وعمل على فتواه قال: وكانت النازلة في كون القاضي لم يطلع على ذلك إلا بعد التزوج فمنعه من الوطء حتى مات الصبي عن قرب ودرج علين ناظم العمل المطلق حيث قال:
ومن بإرضاع الصبي اختلعت ** من النكاح بالقضاء منعت

واقتصر في معين الحكام على ذلك أيضاً وكذا في المتيطية واختصارها قالا: وتمنع المرأة المشترط عليها رضاع ولدها عامين من النكاح فيهما لما يخاف من فساد اللبن. اهـ. لكن قال ابن سلمون بعد أن عزا ما مر لدليل المدونة ما نصه: والمعروف من قول مالك في المستخرجة أنها تتزوج وأن شرط عليها في عقد الخلع أن لا تتزوج مدة الرضاع قال في التزاماته عقبه ما نصه: وفي كلام ابن سلمون ترجيح القول بأنه لا يلزم ولو في مدة الرضاع وهو الظاهر خلاف ما يظهر من كلام ابن رشد فتأمله. اهـ. فتبين بهذا رجحان كل من القولين الأولين في كلام ابن عرفة، لكن الأول أقوى، ولذا استظهره ابن رحال في شرحه أيضاً. ولا يقال القول الأول إنما هو مخرج فكيف جزم به من تقدم مع أن (ح) قال في فصل إزالة النجاسة: المعتمد في كل نازلة على ما هو المنصوص فيها لا على المخرج لأنا نقول: الحكم القائم من المدونة ينزله الشيوخ منزلة نصها كما ينزلون إطلاقاتها وظواهرها منزلة نصها أيضاً، فيعارضون به كلام غيرها حسبما ذلك منصوص عليه حتى في (ز) عند قوله في النكاح: وظاهرها شرط الدناءة. وذكر في نوازل الخلع من المعيار عن ابن عطية الونشريسي ما يفيد ضعف ذلك الترجيح، ورجح جواز تزويجها في مدة الرضاع كما ضعف أيضاً ما يأتي عن الاستغناء فانظره إن شئت، وقد يرد بأن الضرر مترقب قطعاً كما رأيته في كلام المتيطية لأنه تعليل بالمظنة وكما هو مشاهد بالعادة، وكون الغيلة لا تضر على ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام لا يدل على جواز النكاح في مسألتنا كما قيل: لأن مسألتنا فيها معارضة، ومعلوم ما فيها من التشاح، وأيضاً فإن تزوجها يمنعها من الاشتغال بأمر الرضيع كما يأتي، وما ورد عنه عليه الصلاة والسلام إنما هو في أمر عام وهو وطء المرضع والأعم لا دليل فيه على أخص معين، ولذا قالوا في الظئر المستأجر يمنع زوجها من وطئها حيثما رضي بإجارتها نفسها كما قال (خ) ومنع زوج رضي من وطء، وبهذا تعلم أن قولهم تمنع من النكاح أي من وطئه وإلاَّ فلا يفسخ العقد إن وقع على ما مر عن ابن ناجي، وسيأتي في التنبيه بعده ما يقتضي ذلك.
الثاني: ظاهر كلام ابن عرفة بل صريحه أن محل الأقوال المتقدمة مع اشتراط عدم التزوج وجعلها في الشامل و(ح) في التزاماته مع عدم الاشتراط، ثم قال ابن عرفة، إثر ما مر عنه ما نصه: وشرط عدم نكاحها بعد الحولين لغو. ابن رشد اتفاقاً قال (ح) في التزاماته. وما ذكره ابن رشد من الاتفاق على أنه لا يلزمها ترك النكاح فيما بعد الحولين مخالف لما ذكره ابن سلمون عن كتاب الاستغناء من أن الأم إذا التزمت حضانة بنيها وتزوجت فسخ النكاح حتى يتم أمد الحضانة قال بعضهم: يريد قبل البناء ثم قال (ح): ولا شك أن ما قاله ابن رشد لم يكن متفق عليه فهو الظاهر. اهـ. وتأمل ذلك مع أن (ح) نفسه اقتصر في باب الحضانة من المختصر على ما في كتاب الاستغناء من فسخ النكاح، وكذا (ز) هناك.
قلت: وهو ما يفيده قولهم في باب الحضانة أن المرأة إذا تزوجت اشتغلت بأمر الزوج فتسقط حضانتها بذلك، وهنا قد تعلق حق الولد بل والزوج بحضانتها بنفسها، وعلى ذلك أرسل العصمة من يده فهو حق تعلق بعين المرأة، فليس لها أن تشغل نفسها بغير ما وقع عقد الخلع عليه فيكون هذا أرجح من جهة النظر. وقال البرزلي إثر تلك الأقوال ما نصه: وانظر ما يفعلونه اليوم أنها تتحمل به أي الولد عازبة كانت أو متزوجة وإن بدلت الأزواج أو سافرت فلا ينتزع منها هل يوفي بهذا أم لا؟ وهي عندي تجري على هذا لأن من حق الولد أن لا يجتمعا على ضرره في القول الأول، وعلى الثاني يكون أحرى في جواز تزويجها لشرطها اه بلفظ الاختصار. وهذا يؤيد ما في كتاب الاستغناء من الفسخ لأن الحق في ذلك للولد كما يؤيد القول الأول من تلك الأقوال ولا إشكال إلا أنه يقال محل الفسخ قبل البناء على القول به إذا لم يتراضيا على تأخير الدخول إلى انقضاء مدة الحضانة. وقال الفشتالي في وثائقه ما نصه: وبعضهم يشترط عليها وتشترط عليه أن لا ينتزع الولد منها تزوجت أو تأيمت أو سافرت أو سافر هو أو أقام، ثم قال: فإن سقط ذلك الشرط من عقد الخلع وتزوجت سقطت حضانتها، وكذا إن سافرت أو سافر هو لمكان بعيد أقله على خلاف ما تقصر فيه الصلاة. اهـ. ففيه دليل لرجحان إعمال الشرط المذكور، بل وصرح بلزومه في الالتزامات في النوع الخامس من الباب الثاث فانظره.
الثالث: إذا خالعته على أن عليها نفقة البنات وأن الأمر لها في تزويجهن ويكون العاقد عليهن غيرها جاز ذلك وهل له عزلها لأنه وكالة منها لها؟ قال (ح) في التزاماته: لا سبيل له لعزلها. نقله ابن رحال هاهنا.
الرابع: إذا خالعها بنفقة الولد عازبة كانت أو متزوجة وقلنا لا ينزع منها إن تزوجت على ما مر قريباً فتحمل الزوج الثاني لها بنفقة الولد طوعاً فلا سبيل لرجوع الزوجة على ولدها إن كان له مال بما أنفقه عليه المتحمل المذكور كما هو واضح، وإنما يبقى الكلام إذا لم تتحمل هي بنفقة الولد وكانت تأخذ نفقته من أبيه ففي البرزلي وقعت مسألة وهي امرأة لها أولاد تأخذ نفقتهم من أبيهم وتزوجت رجلاً وشرطت عليه نفقة الأولاد أجلاً معلوماً أو تطوع به بعد العقد مدة الزوجية، وأرادت الرجوع بذلك على أبيهم فوقعت الفتيا إن كان ذلك مكتوباً في حقوقها يجب لها الرجوع متى شاءت وإسقاطه لزوجها، فلها أن ترجع بنفقتهم على أبيهم فإن كان ذلك للولد فلا رجوع على أبيهم بشيء وهو جار على الأصول كأنه شيء وهب للولد فنفقته على نفسه لا على أبيه والأول مال وهب لأمه فإذا أنفقته على الولد رجعت به على أبيه. اهـ. بنقل (ح) أول الالتزامات فاستفيد منه أنه حيث فعل الزوج الثاني ذلك حرمة للأم فلها الرجوع على أبيه أو عليه حيث كان له مال وقت تحمل الثاني واستمر لوقت قيامها كما استفيد منه أيضاً أنه إذا تحمل الزوج بنفقة الولد في العقد لمدة معلومة فإن النكاح صحيح وهو الذي رجحه ابن رشد حسبما في الالتزامات في المحل المذكور.
الخامس: إذا قلنا لها التزوج في مدة الرضاع أو مدة الحضانة فلا إشكال أن حضانته تسقط بالتزويج ويلزمها أن تدفع أجرة الحضانة لمن انتقلت إليه على ما به العمل من وجوب الأجرة للحاضنة إذ على ذلك وقع إرسال العصمة كما يفيده جواب الوانغيلي في نوازل الخلع من المعيار.
السادس: ذكر في المعيار أيضاً في المحل المذكور عن ابن لب أن نفقة الولد التي وقع الخلع عليها تسقط بطرو المال للولد من إرث أو هبة أو نحوهما، وذكر أيضاً متصلاً به عن ابن عتاب أن ولد المختلعة التي تحملت بنفقته إذا تعلم صنعة فإن أجرته تستعين بها الأم على نفقته ولا توقف للابن، إذ ليس للصبي كسب ما دام في الحضانة قالوا: وهو الراجح. وهذا بخلاف الطوع فإن من طاع بالتزام نفقة صغيرة مثلاً كالزوج يلتزم نفقة ربيبه مدة الزوجية فإنما يلزمه الإنفاق ما دام صغيراً لا يقدر على الكسب كما في ابن سلمون والتزامات (ح) لكن استشكله البساطي في وثائقه بأنه التزم النفقة مدة الزوجية، فكيف تسقط عنه بقدرة الولد على الكسب؟ وأجيب: بأنهم لاحظوا أن سبب التزامه إسقاط كلفتهم عن الأم وبقدرتهم على الكسب انتفت العلة كما قالوا ذلك في المختلعة بنفقة الولد قاله أبو العباس الملوي رحمه الله.
السابع: قال في المتيطية: إذا خالعها عن أن لا تطلبه بشيء فظهر بها حمل فقال مالك تلزمه النقة. اهـ.
الثامن: فإن خالعته على إسقاط نفقة حملها أو ولدها فعجزت فإن الزوج يؤمر بالإنفاق عليها ويتبعها إن أيسرت كما في الالتزامات وهو المشهور وبه العمل، فإن كانت أشهدت أنها لا تدعي في النفقة عجزاً ولا عدماً فلا تسمع دعواها العجز ولا بينتها إلا أن يشهدوا بذهاب مالها كما في المعيار والالتزامات أيضاً، لكن قيده في الالتزامات بما إذا كان حال المرأة مجهولاً، ولم يشهد بعدمها إلا شاهدان أو نحو ذلك، وأما إن كانت معلومة بالإعسار والعدم بحيث يشهد بذلك غالب من يعرفها، ويغلب على الظن أن ما أشهدت به من الوفر كذب فلا يلتفت إلى ما أشهدت به من الوفر. اهـ.
قلت: وهذا التقييد ظاهر في كل مدين أشهد بالوفر المشار له بقول ناظم العمل المطلق:
ومن أقر بالملاثم ادعى ** بأنه ذو عدم ما انتفعا

بمن له يشهد حتى يعلما ** تلف ماله بأمر هجما

ثم ذكر في الشرح عن ابن ناجي أنه لا تنفعه بينته بالعدم وإن كان مجهول الحال أو معلوماً بالفقر لأن إشهاده بالوفر ينزله منزلة معلوم الملاء. قال: وبه العمل. اهـ. فهو يعكر على تقييد (ح) وإن كان تقييده أظهر معنى.
التاسع: ذكر في الالتزامات والمعيار عن ابن رشد وابن الحاج أن المرأة إذا خالعت زوجها على تسليم صداقها وعلى أنها إن تزوجت قبل انقضاء عام من تاريخ الخلع فعليها مائة مثقال فإنها إذا تزوجت قبل العام لا شيء عليها، إذ شرطه باطل والخلع جائز، ثم نقل عن ابن الضابط أنها إذا خالعته على أنها إن ردت زوجها الأول قبل عشرين سنة فعليها له مائة دينار أن ذلك لازم إذا ردت زوجها الأول فقال (ح) ما لابن رشد وابن الحاج جار على المشهور، وما لابن الضابط مقابل له. قلت: وفرق كثير من الفاسيين وأفتوا به على ما حكاه عنهم أبو العباس الملوي بينهما بأن الأول بمنزلة ما إذا باعه على أن لا يبيع من أحد بخلاف الثانية فإنها بمنزلة ما إذا باعه على أن لا يبيع من زيد مثلاً فالبيع صحيح. قال الشيخ (ت): إنما يتم القياس لو جاز البيع على شرط أن لا يبيع من فلان وإن باعه منه زاده في الثمن كذا. اهـ.
قلت: بل القياس تام لأن المعلق على شرط جائز شرعاً يصح بصحة شرطه بخلاف المعلق على فاسد فيبطل ببطلان المعلق عليه، فالظاهر ما فرقوا به دون مالح فتأمله.
العاشر: لو خالعها على إسقاط حضانتها فقامت الجدة وأرادت أخذ الولد فقال مالك: إن كان الأب معسراً فليس للجدة أن تأخذه وإن كان موسراً كان للجدة أخذه وتأخذ من الأب أجرة رضاعه على معنى ما في المدونة اه من ابن رشد. وهذا قول في المسألة والثاني أنه لا كلام لغير المسقطة وهو المنصوص في المدونة قال طفي: وهو المعتمد ونقل كلامها فانظره فيه، لكن اعترض ذلك بعضهم عليه وألف في ذلك وقال: إن هنا مسألتين. الأولى: إذا خالعت الأم بإسقاط حضانتها هل يمضي عليها ذلك ويلزمها ما أسقطته من الحضانة أو يلزم الطلاق ولا تسقط الحضانة ويكون الولد لها؟ قولان. لها ولعبد الملك بناء على أن الحضانة حق للمحضون وهذه فيها هو المشهور وهو الأول الذي هو مذهبها. والمسألة الثانية: إذا بنيتا على المشهور من سقوط حق الأم وكانت هناك جدة مثلاً فقامت بحقها هل لها ذلك أم لا؟ قولان. للموثقين وليس فيها مشهور ولا مقابلة. نعم ذكر المتيطي أن العمل على الأول، وقال غير واحد من الموثقين، وقال أبو عمران: إنه هو القياس، قال: بل ذكر ابن غازي وغيره عن غير واحد أن الفتوى فيما إذا أسقطت الجدة ونحوها حضانتها مع الأم حال الخلع أنها لا تسقط، فكيف إذا لم تسقطها كما في نازلتنا، ثم ذكر نقولاً تفيد أن المعتمد أن للجدة القيام قال خلافاً لما أفتى به جماعة من أصحابنا من أنه لا قيام للجدة، وأن الحضانة تنتقل للزوج على المشهور مغترين بما وقع من السهو للعلامة طفي. اهـ. الغرض منه باختصار مع تقديم وتأخير.
قلت: ظاهر هذا القول الذي به العمل المذكور أن الحضانة تنتقل للجدة مطلقاً كان الأب موسراً أو معسراً وذلك ظاهر على القول بأنه لا أجرة للحاضنة وإلاَّ فللنظر فيه مجال.
الحادي عشر: محل جواز الخلع بإسقاط الحضانة ما لم يتعلق الولد بأمه أو يكون عليها في ذلك ضرر وإلا فلا يجوز قاله في المتيطية.
الثاني عشر: محل ما مر من أن الحق ينتقل للجدة والخالة ونحوهما ما لم تسقط الجدة ونحوها حضانتها بعد إسقاط الأم وإلاَّ بأن أسقطت بعدها كما لو قال الموثق، ثم بعد إسقاط الأم أسقطت الجدة حضانتها فلا كلام لها، وأما إن كتب أنه خالعها على أن أسقطت حضانتها وأسقطت جدته أو خالته مثلاً حجتها فيما يرجع إليها من الحضانة فإن حضانة الجدة ونحوها لا تسقط لأنه من إسقاط الحق قبل وجوبه إذ الواو لا تقتضي ترتيباً قاله ابن الفخار وبه الفتوى كما مر.
الثالث عشر: لا يجوز الخلع على تأخير الصداق الحال أو بعضه فإن وقع فإن الطلاق نافذ والصداق على حلوله قاله في الكراس السابع من أنكحة المعيار.
وَلَيْسَ للأَبِ إذَا مَاتَ الْوَلَدْ ** شَيْءٌ وَذَا بِهِ القَضاءُ فِي المُدَدْ

(وليس) فعل ناقص (للأب) خبرها (إذا) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه متعلق بالاستقرار في الخبر (مات الولد) جملة فعلية في محل جر بإضافة إذا (شيء) اسم ليس (وذا) مبتدأ (به) خبر عن قوله (القضاء) والجملة خبر ذا (في المدد) جمع مدة كغرفة يتعلق بالاستقرار في الخبر، والمعنى أن المرأة إذا اختلعت بإرضاع ولدها إلى فطامه أو بنفقته إلى وقت قدرته على الكسب فمات الولد قبل انقضاء المدة المشترطة فإنه لا شيء للأب على المرأة لأن المقصود أن تكفيه مؤنة الرضاع والنفقة وقد كفيت. هذا هو المشهور وبه القضاء كما في المتيطية وابن سلمون وغيرهما. وروي عن مالك أنه يرجع عليها بما ينوب باقي المدة، وظاهره أنه لا شيء للأب سواء شرط عليها عاش الولد أو مات أم لا. وليس كذلك فإنه مع الشرط المذكور يرجع عليها بباقي المدة كما يأتي، ومفهوم مات الولد أنها إذا ماتت هي والموضوع بحاله فإنه يوقف من تركتها ما يفي بنفقة باقي المدة ويحاصص به غرماءها كما يأتي في قوله: وإن تمت اختلاع وقفا إلخ. وانظر لو التزمت بنفقته وأطلقت فأنفقت عليه ستة أو شهراً وقالت: هذا الذي أردت وخالفها الزوج في ذلك هل القول كما قالوه في المتطوع بنفقة شخص بغير خلع حسبما في أوائل مسائل الالتزام أو يكون القول للزوج لأن هذا من باب المعاوضة، فيلزمها أن تنفق عليه إلى سقوط نفقته شرعاً، وهو الظاهر لأن الأصل عدم خروج عصمته من يده إلا على الوجه الذي يقصده فهو مصدق بيمينه، ولاسيما إن كان عرفهم ذلك والله أعلم.
والخُلْعُ بالإنْفَاق مَحْدُود الأَجَلْ ** بَعْدَ الرّضَاعِ بِجَوَازِهِ العَمَلْ

(والخلع) مبتدأ (بالإنفاق) يتعلق به (محدود الأجل) بالنصب حال منه (بعد الرضاع) يتعلق بالإنفاق أو بمحدود (بجوازه) خبر عن قوله (العمل). والجملة خبر المبتدأ الأول، والمعنى أن العمل جرى بجواز الخلع بالإنفاق المحدود الأجل كأربع سنين أو خمس بعد مدة الرضاع، أو إلى حد سقوط الفرض عنه شرعاً ونحو ذلك، وظاهره كان الإنفاق منها أو من غيرها وهو كذلك (خ) وبعوض من غيرها إن تأهل ومقابل العمل هو مذهب المدونة. ورواية ابن القاسم عن مالك وأنه لا يجوز ويسقط الزائد على الحولين، وقوله بعد الرضاع: يقتضي أن هذا في خصوص الولد الذي ترضعه وليس كذلك، بل لو شرط عليها نفقة نفسه أو نفقة بنين له منها أو من غيرها أعواماً معلومة كخمس عشرة سنة ونحوها لجاز ذلك أيضاً على ما به العمل كما في المتيطية، ولا يجوز ما زاد على الحولين في ذلك أيضاً على مذهب المدونة كالرضيع سواء بسواء، وعلى مذهب ابن القاسم في المدونة درج (خ) حيث قال: وجاز شرط نفقة ولدها منه مدة رضاعه فل نفقة للحمل وسقطت نفقة الزوج أو غيره وزائد شرط كموته إلخ. وفهم من قوله بعد الرضاع أنه في مدة الرضاع يجوز شرطه عليها إنفاق نفسه أو رضيعه أو غيرهما وهو كذلك قال بعضهم اتفاقاً: ومفهوم قوله محدود الأجل أنه إذا لم يكن لذلك أجل محدود لم يجز كتأجيله بقدوم زيد أو يسر الأب مثلاً وتأمله مع قول (خ) وعجل أي الخلع المؤجل بمجهول وتؤولت أيضاً بقيمته فإن ابن محرز قال: تعجيله مخالف لجواز الخلع بالغرر، وقال اللخمي: لا وجه لتعجيله وتعجيله ظلم. اهـ. وظاهره تعجيله ولو حداه بمدة الحياة، لكن الذي يقتضيه قولهم يجوز الغرر في الخلع هو أنهما إن حداه بمدة الحياة ومات الولد سقطت كما مر، وإن ماتت هي فيوقف من مالها ما يفي بنفقته إلى تمام سبعين سنة كمن أوصى بنفقة رجل حياته فإنه يوقف من ثلثه ما يقوم به منتهى سبعين سنة كما في (ح) أول الالتزام فتأمل ذلك والله أعلم.
وَجَازَ قَوْلاً وَاحِداً حَيْثُ التُزِمْ ** ذَاكَ وَإنْ مُخَالِعٌ بِهِ عُدِمْ

(وجاز) فاعله ضمير الخلع (قولاً) منصوب على إسقاط الخافض (واحداً) نعت له أي جاز الخلع حال كون جوازه ثابتاً على كل قول (حيث) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه (التزم) بالبناء للمفعول (ذاك) نائب والإشارة للاتفاق، والجملة في محل جر بإضافة حيث (وإن مخالع) نائب عن فعل مقدر يفسره ما بعده (به) يتعلق بمخالع والباء للتعدية لا للسببية وهو من باب الحذف والإيصال أي: وإن عدم مخالع بالاتفاق عليه (عدم) أي مات. ومثل هذه الواو الداخلة على أن يسميها ابن غازي واو النكاية ويسميها شراح (خ) عاطفة على معطوف مقدر أي عاش الولد أو مات فهي بمعنى (أو) وجواب حيث محذوف للدلالة عليه، ومعناه أن المرأة إذا اختلعت بالإنفاق على ولدها أو غيره مدة معلومة زائدة على الحولين عاش المخالع بنفقته أو مات فإن ذلك جائز اتفاقاً من ابن القاسم وغيره، ويرتفع الخلاف في القضية حينئذ قاله في النهاية. قال: وهو مثل من باع داراً على أن ينفق المشتري عليه مدة معلومة فهو جائز، وإذا جاز في البيع فهو في الخلع أجوز. اهـ. ثم إذا مات الولد ونحوه في هذه أخذ وارثه منها باقي المدة مشاهرة حتى يتم الأجل، وإن ماتت هي أخذ من مالها نفقته في المدة المشترطة من غير إيقاف لأنه دين حل بموتها، ولا فائدة في الإيقاف لأنه يؤخذ منها على كل حال ولو مات الولد ونحوه بعدها لورث ذلك ورثته.
ثم اعلم أن الذي يقتضيه الترتيب الطبيعي تقديم هذين البيتين على قوله: وليس للأب إلخ. ثم يقول: وإن تمت ذات اختلاع البيتين ثم يقول: ومن يطلق زوجة البيتين أيضاً إذ الكل مفرع على قوله هنا والخلع بالإنفاق إلخ. ولعل ناسخ المبيضة قدم وأخر والله أعلم.
تنبيهان:
الأول: إذا خالع امرأته على أن سلمت له ولدها منه وأنها إن أرادت أخذه فليس لها ذلك إلا أن تلتزم عن الأب مؤنته فإن ذلك خلع جائز نافذ حتى على قول ابن القاسم قاله في المتيطية.
الثاني: ذكر (ح) في التزاماته أن ما يأتي في قول الناظم: ومن يطلق زوجة ويرتجع البيتين يجري حتى في هذه الصورة المذكورة في التنبيه عن المتيطية دون التي في النظم التي هي قوله: وجاز قولاً واحداً إلخ. فإن النفقة لا تسقط عنه بارتجاعها.
ولِلأَبِ التَّرْكُ مِنْ الصَّدَاقِ ** أَوْ وَضْعُهُ لِلْبِكْرِ فِي الطَّلاَقِ

(وللأب) خبر عن قوله (الترك) وقوله: (من الصداق) يتعلق بالترك (أو وضعه) بالرفع معطوف على الترك (للبكر) يتنازع فيه ترك ووضع (في الطلاق) يتعلق بالمعطوف المذكور، ومعنى الشرط الأول أنه يجوز في نكاح التسمية للأب دون غيره من الأولياء أن يترك بعد العقد وقبل البناء عن الزوج شيئاً من صداق ابنته البكر التي لم يرشدها إذا كان ذلك سداداً ونظراً قاله ابن القاسم. وقال مالك: للأب أن يزوج البكر بأقل من صداق المثل على النظر، ولا يحط من الصداق بعد العقد إلا على الطلاق، وهو معنى الشرط الثاني أي يجوز للأب أيضاً دون غيره أن يضع عن الزوج بعد العقد جميع النصف على الطلاق أو بعد وقوع الطلاق قبل البناء كان ذلك نظراً أم لا. لقوله تعالى: {إلا أن يعفون} (البقرة: 237) أي المالكات لأمر أنفسهن: أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} (البقرة: 237) وهو الأب عند مالك وأما السيد فله إسقاط مهر أمته كله قبل الدخول وبعده، وقبل الطلاق وبعده قاله في الجلاب. قوله: في الطلاق أي في شأن الطلاق أعم من أن يكون عند الطلاق أو بعده، وهذا أولى من جعل (في) بمعنى (على) أو (بعد) وإلى المسألتين أشار (خ) لقوله: وجاز عفو أبي البكر عن نصف الصداق قبل الدخول وبعد الطلاق. ابن القاسم: وقبله لمصلحة وهل وفاق؟ تأويلان. وقولي في نكاح التسمية احتراز من نكاح التفويض فإنه يجوز ذاك للأب قبله وبعده وللوصي قبله كما أفاده (خ) بقوله: والرضا بدونه للمرشدة وللأب ولو بعد الدخول وللوصي قبله لا المهملة إلخ. وظاهر قوله: الترك من الصداق كان نظراً أم لا. وليس كذلك كما رأيته. وقولي: التي لم ترشد احترازاً من المرشدة فإنها التي تنظر لنفسها، ومفهوم البكر أن الثيب ليس له ذلك فيها وهو كذلك حيث لم يكن له جبرها على النكاح، وأشعر قوله البكر أيضاً أنه إن دخل بها لم يكن له ترك شيء من صداقها وهو كذلك كما في الجلاب والقرافي نقله طفي وأشعر قوله الترك أن ذلك بعد العقد كما قررنا، فيفهم منه أنه يجوز له أن يزوجها ابتداء بأقل من صداق مثلها على وجه النظر بالأحرى وهو كذلك كما في المدونة عن مالك، وانظر ما تقدم في باب الصلح عند قوله: والبكر وحدها تخص هاهنا إلخ. وبالجملة فالتأويلان في كلام (خ) محلهما كما هو ظاهره إذا تحققت المصلحة، وهو ظاهر المدونة وظاهر ابن الحاجب أيضاً. قال ابن عبد السلام: وهو الصحيح لا ما قال ابن بشير: من أن الخلاف إنما هو إذا جهلت المصلحة أما إذا تحققت فيتفق مالك وابن القاسم على الجواز، وإن تحقق عدم وجودها فيتفقان أيضاً على عدم الجواز، وإنما يختلفان عند الجهل فظاهر قول مالك بعدم الجواز لأن الأصل في إسقاط الأب عدم المصلحة. وظاهر ابن القاسم جوازه لأن أفعال الأب محمولة على المصلحة فإن ذلك لا يعول عليه، بل مع الجهل يتفقان على منع الإسقاط كما يفيده قولهم بعد الطلاق لأنه يفيد بمفهومه أنه لا يجوز قبله كان لمصلحة أم لا. استثنوا منه صورة المصلحة. فإن ابن القاسم أجازها والمصلحة إذا أطلقت إنما تنصرف للمحققة وغير المحققة لا تسمى مصلحة لعدم وجودها، وحينئذ فالناظم اعتمد في الشطر الأول التأويل بالوفاق فيستفاد منه أنه الراجح، وأما الشطر الثاني فلا خلاف فيه.
تنبيهات:
الأول: بأدنى تأمل يعلم منع ما يفعله كثير من الناس اليوم من تزويج أبكار بناتهم أو الثيبات من محاجرهم بأقل من صداق المثل لأنه في المدونة إنما أجاز تزويج الأب بأقل من صداق المثل إن كان نظراً، فإن لم يكن نظراً فيمنع، والناس اليوم يهدون للأب الهدايا ويعطونه العطايا ليزوجهم بنته بأقل من صداق المثل من غير نظر لها ولا مصلحة، وذلك منكر. فيجب على القاضي التفطن إليه وحسم مادته فإن لم يطلع عليه فللزوجة أن ترجع على زوجها بتمام صداق مثلها بعد الدخول ويخير الزوج في إتمامه قبله أو يفارق، ولا شيء عليه. وهذا إن لم تشترط تلك الهدايا وإلا فهي من الصداق فترجع بها الزوجة على الأب كما مر، وتسمى تلك الهدايا المشترطة عند العامة بالمأكلة والحبا.
الثاني: قال البرزلي في الكراس الثاني من النكاح: إذا قال الزوج للأب أقلني في ابنتك فأقاله فهي مطلقة ولا يتبع الزوج بصداق إن لم يكن دفعه ورده الأب إن قبضه، وهذا قبل البناء. ابن الحاج: ولو كان بعد البناء فهي إقالة في العصمة ويلزمه الثلاث. البرزلي: تقدم أن ظاهر المدونة لزوم الثلاث مطلقاً قبل البناء وبعده من قولها: وهبتك ورددتك لأهلك، وتقدم لابن عات فيها قول إنه يفسخ بغير طلاق. اهـ.
الثالث: مفهوم قوله في الطلاق أنه لا يجوز له ذلك في موت زوجها قبل البناء وهو كذلك نص عليه المازري في درره قائلاً: وإن تحمل الأب بالدرك فتخير الزوجة في الرجوع على الزوج أو عليه لأن الأب فوت عليها حظها وهو غريم غريمها. نعم إن صالح الأب عن بعض الصداق لعدم ثبوته واحتياجه لطول خصام مضى. اهـ. بنقل طفي، وقوله: وإن تحمل إلخ. لعله في مسألة العفو بعد الدخول على الطلاق إذ فيها يتأتى التحمل بالدرك كما تقدم في فصل الضرر وفي باب الصلح: وإلاَّ ففي مسألة الموت لا يتأتى فيها التحمل المذكور، نعم يتأتى فيها الرجوع المذكور حيث أعدم أحدهما لأن الأب بإسقاطه عن الزوج وقت قدرته على أدائه حتى أعدم كان مضيعاً فيجب عليه ضمانه، والله أعلم.